الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، عندما قذف خصومه في المعارضة من طلاب الانفصال بصفة فيروس إنفلونزا الخنازير، لم يدر أنه كان يمتدحهم، فهذا يعني أنهم يملكون قدرة انتشار سريعة، والانتقال إلى كل الأماكن مهما بدت محمية أو بعيدة، وفوق هذا قاتلة، وهذه من صفات المعارضة الناجحة لا الحقيرة، كما أراد قوله في خطابه الجماهيري.
والمعارضة في اليمن صنفان، رسمية منخرطة في النظام تعارض من خلال البرلمان والأحزاب المسجلة والصحف المرخصة، والثانية معارضة انفصالية متمردة على كل النظام، وتوجد في شمال اليمن، حيث القتال مع الحوثيين، وأخرى في الجنوب، وهي التي نعتها الرئيس بالفيروس الخطير.
وسواء كانت المعارضة حصبة أو إنفلونزا، بسيطة ومؤقتة أو معدية وقاتلة، فإن الذي يحدث في الجنوب لا يمكن اختصاره بالأوصاف الطبية، بل وضع سياسي بالغ الخطورة على اليمن، ما لم يتم تداركه بعلاجات متعددة، أولها الحوار، وثانيها استقصاء الشكاوى المحلية، وثالثها وضع حل شامل وحقيقي لا جزئي ومؤقت.
وضع النظام صعب للغاية، وذلك بحسب وصف الرئيس نفسه، الذي حذر من قبل، من أن نجاح الانفصاليين في الجنوب سيقسم كل اليمن إلى دويلات صغيرة متعددة ومتناحرة، وهو محق في تقديره وتحذيره، لكنه أيضا أعطى انطباعا أن اليمن يمر بوضع بالغ الخطورة، حتى يدفع رئيس الجمهورية أن يقول هذا الكلام المتشائم.
ولا يحتاج المرء إلى فهم التفاصيل اليمنية ليدرك خطورة الوضع، بل يكفيه نظرة على جغرافيا الجوار اليمني ليرى أنها جارة لدول القرن الأفريقي المنكوب، وبحر القراصنة، وهدف للاجئ الصومال البائس والمقسم بفعل الحرب الأهلية. والوضع اليمني الطارئ، وتحديدا في الجنوب، حيث عادت للحياة دعوات الانفصال، بالغ الخطورة، لأنه قادر على إنهاك الدولة وإضعافها في كل مكان من اليمن.
ولو تطور التوتر من صعدة إلى عدن، وتورط في معارك بين مقاتلة الحوثيين في الجبال الشمالية المدعومين من قبل إيران، ومحاولة إنهاء التمرد في السهول الجنوبية، سيكون الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم، وسيضطر الجيش إلى تنفيذ عمليات عسكرية واسعة، لتجد الدولة نفسها مرهقة، في وقت تحتاج فيه إلى كل دولار لإنفاقه على خدماتها الأساسية.
ولا أدري هل من مخرج آخر غير التفاوض مع الجنوبيين، على اعتبار أن بينهم قيادات راغبة في حماية الوحدة، والبقاء ضمن إطار النظام، لكن لها مطالب تستحق الاستماع، إن كانت تصب في المصلحة العامة، من حيث توسيع مشاركتهم السياسية، ومد المزيد من الخدمات العامة. الهدف حماية اليمن ككل بتنشيط العلاقة بمنطقة كانت إلى قبل سنوات قليلة دولة مستقلة، وقد وعدت عند التوحيد بأن تكون جزءا من الدولة الموحدة. والرئيس اليمني متوقع منه أن يكون صاحب المبادرة، لأنه صانع لتاريخ اليمن الحديث، وصاحب مشروع الوحدة، وبالتالي هو المطالب بحمايتها بما يعني ذلك من تقديم أفكار جديدة، لا فقط إغراء قادة المعارضة في الداخل أو الخارج بمناصب كبيرة.
* نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية